فصل: تفسير الآيات (5- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (5- 8):

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
{وإن تعجب} يا محمد من عبادتهم ما لا يضرُّ ولا ينفع، وتكذيبك بعد البيان فتعجَّبْ أيضاً من إنكارهم البعث، وهو معنى قوله: {فعجب قولهم أإذا كنا تراباً...} الآية. {وأولئك الأغلال} جمع غُلٍّ، وهو طوقٌ تقيَّد به اليد إلى العنق.
{ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} يعني: مشركي مكَّة حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاءً. يقول: ويستعجلونك بالعذاب الذي لم أُعاجلهم به، وهو قوله: {قبل الحسنة}. يعني: إحسانه إليهم في تأخير العقوبة عنهم إلى يوم القيامة {وقد خلت من قبلهم المَثُلاتُ} وقد مضت من قبلهم العقوبات في الأمم المُكذِّبة، فلم يعتبروا بها {وإنَّ ربَّك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} بالتَّوبة. يعني: يتجاوز عن المشركين إذا آمنوا {وإنَّ ربك لشديد العقاب} يعني: لمَنْ أصرَّ على الكفر.
{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربِّه} هلاَّ أتانا بآيةٍ كما أتى به موسى من العصا واليد {إنما أنت منذر} بالنَّار لمَنْ عصى، وليس إليك من الآيات شيءٌ {ولكلِّ قومٍ هاد} نبيٌّ وَدَاعٍ إلى الله عزَّ وجلَّ يدعوهم لما يُعطَى من الآيات، لا بما يريدون ويتحكَّمون.
{الله يعلم ما تحملُ كلُّ أنثى} من علقةٍ ومضغةٍ، وزائدٍ وناقصٍ، وذَكَرٍ وأنثى {وما تَغِيضُ الأرحام} تنقصه من مدَّة الحمل التي هي تسعة أشهر {وما تزداد} على ذلك {وكلُّ شيءٍ عنده بمقدار} علم كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديراً.

.تفسير الآيات (9- 12):

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
{عالم الغيب} ما غاب عن جميع خلقه {والشهادة} وما شهده الخلق {الكبير} العظيم القدر {المتعال} عمّا يقوله المشركون.
{سواء منكم...} الآية. يقول: الجاهر بنطقه، والمُضمر في نفسه، والظَّاهر في الطُُّرقات، والمستخفي في الظُّلمات، علمُ الله سبحانه فيهم جميعاً سواءٌ، والمستخفي معناه: المختفي، والسَّارب: الظَّاهر المارُّ على وجهه.
{له} لله سبحانه {معقبات} ملائكةٌ حفظةٌ تتعاقب في النُّزول إلى الأرض، بعضهم باللَّيل، وبعضهم بالنَّهار {من بين يديه} يدي الإِنسان {ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} أَيْ: بأمره سبحانه ممَّا لم يُقدَّر، فإذا جاء القدر خلَّوا بينه وبينه. {إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم} لا يسلب قوماً نعمةً حتى يعملوا بمعاصيه {وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً} عذاباً {فلا مردَّ له} فلا ردَّ له {وما لهم من دونه من والٍ} يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.
{هو الذي يريكم البرق خوفاً} للمسافر {وطمعاً} للحاضر في المطر {وينشئ} ويخلق {السحاب الثقال} بالماء.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
{ويسبح الرعد} وهو الملك المُوكَّل بالسَّحاب {بحمده} وهو ما يسمع من صوته، وذلك تسبيحٌ لله تعالى {والملائكة من خيفته} أَيْ: وتُسبِّح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته {ويرسل الصواعق} وهي التي تَحْرِق من برق السَّحاب، وينتشر على الأرض ضوؤُه {فيصيب بها من يشاء} كما أصاب أربد حين جادل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: {وهم يجادلون في الله} والواو للحال، وكان أربد جادل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن ربِّنا، أمن نحاسٍ أم حديد؟ فأحرقته الصَّاعقة {وهو شديد المحال} العقوبة أَي: القوَّة.
{له دعوة الحق} لله من خلقه الدعوة الحقُّ، وهي كلمة التَّوحيد لا إله إلاَّ الله. {والذين يدعون} يعني: المشركين يدعون {من دونه} الأصنام {لا يستجيبون لهم بشيء إلاَّ كباسط} إلاَّ كما يستجاب للذي يبسط كفيه يشير إلى الماء، ويدعوه إلى فيه {وما هو ببالغه} وما الماء ببالغ فاه بدعوته إيَّاه {وما دعاء الكافرين} عبادتهم الأصنام {إلاَّ في ضلال} هلاكٍ وبطلانٍ.
{ولله يسجد مَنْ في السموات والأرض طوعاً} يعني: الملائكة والمؤمنين {وكرهاً} وهم مَنْ أُكرهوا على السُّجود، فسجدوا لله سبحانه من خوف السَّيف، واللَّفظ عامٌّ والمراد به الخصوص {وظلالهم بالغدو والآصال} كلُّ شخصٍ مؤمنٍ أو كافرٍ فإنَّ ظلَّه يسجد لله، ونحن لا نقف على كيفية ذلك.

.تفسير الآيات (16- 21):

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
{قل} يا محمد للمشركين: {من ربُّ السموات والأرض}؟ ثمَّ أخبرهم فقل: {الله} لأنَّهم لا ينكرون ذلك، ثمَّ ألزمْهم الحجَّة فقلْ: {أفاتخذتم من دونه أولياء} تولَّيتم غير ربِّ السَّماء والأرض أصناماً {لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرَّاً} ثمَّ ضرب مثلاً للذي يعبدها والذي يعبد الله سبحانه، فقال: {قل هل يستوي الأعمى} المشرك {والبصير} المؤمن {أم هل تستوي الظلمات} الشِّرك {والنور} الإِيمان {أم جعلوا لله شركاء..} الآية. يعني: أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله، فتشابه خلق الشُّركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا استفهامُ إنكارٍ، أَيْ: ليس الأمرُ على هذا حتى يشتبه الأمر، بل الله سبحانه هو المتفرِّد بالخلق، وهو قوله: {قل الله خالق كلِّ شيء}.
{أنزل من السماء ماءً} يعني: المطر {فسالت أودية} جمع وادٍ {بقدرها} بقدر ما يملأها. أراد بالماء القرآن، وبالأودية القلوب، والمعنى: أنزل قرآناً فقبلته القلوب بأقدارها منها ما رُزق الكثير، ومنها ما رُزق القليل، ومنها ما لم يُرزق شيئاً {فاحتمل السيل زبداً} وهو ما يعلو الماء {رابياً} عالياً فوقه، والزَّبَد مَثلُ الكفر. يريد: إنَّ الباطل- وإنْ ظهر على الحقِّ في بعض الأحوال- فإنَّ الله سيمحقه ويُبطله، ويجعل العاقبة للحقِّ وأهله، وهو معنى قوله: {فأمَّا الزبد فيذهب جفاء} وهو ما رمى به الوادي {وأمَّا ما ينفع الناس} ممَّا ينبت المرعى {فيمكث} يبقى {في الأرض} ثمَّ ضرب مثلاً آخر، وهو قوله: {وممَّا يوقدون عليه في النَّار} يعني: جواهر الأرض من الذَّهب والفضَّة والنُّحاس وغيرها ممَّا يدخل النَّار، فتوقد عليها وتتخذ منها الحُلِيُّ، وهو الذَّهب والفضَّة، والأمتعة وهي للأواني، يعني: النُّحاس والرَّصاص وغيرهما، وهذا معنى قوله: {ابتغاء حلية أو متاعٍ زبدٌ مثله} أَيْ: مثل زبد الماء. يريد: إنَّ من هذه الجواهر بعضها خبث ينفيه الكير. {كذلك} كما ذُكر من هذه الأشياء {يضرب الله} مثل الحقِّ والباطل، وهذه الآية فيها تقديمٌ وتأخير في اللَّفظ، والمعنى ما أخبرتك به.
{للذين استجابوا لربهم} أجابوه لى ما دعاهم إليه {الحسنى} الجنَّة {والذين لم يستجيبوا له} وهم الكفَّار {لو أنَّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به} جعلوه فداء أنفسهم من العذاب {أولئك لهم سوء الحساب} وهو أن لا تُقبل منهم حسنة، ولا يتجاوز عن سيئة.
{أفمن يعلم أنَّ ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} نزلت في أبي جهل لعنه الله، وحمزة رضي الله عنه {إنما يتذكر} يتَّعظ ويرتدع عن المعاصي {أولوا الألباب} يعني: المهاجرين والأنصار.
{الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} يعني: العهد الذي عاهدهم عليه وهم في صلب آدم.
{والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} وهو الإِيمان بجميع الرُّسل.

.تفسير الآيات (22- 26):

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
{والذين صبروا} على دينهم وما أُمروا به {ابتغاء وجه ربِّهم} طلب تعظيم الله تعالى {ويدرؤون} يدفعون {بالحسنة} بالتَّوبة {السيئة} المعصية، وهو أنَّهم كلَّما أذنبوا تابوا {أولئك لهم عقبى الدار} يريد: عقباهم الجنَّة.
{جنات عدن يدخلونها ومَنْ صلح من آبائهم} ومَنْ صدَّق بما صدَّقوا به- وإن لم يعملْ مثل أعمالهم- يلحق بهم كرامةً لهم {والملائكة يدخلون عليهم من كلِّ باب} بالتَّحيَّة من الله سبحانه، والهدايا.
{سلامٌ عليكم} يقولون: سلامٌ عليكم، والمعنى: سلَّمكم الله من العذاب {بما صبرتم} بصبركم في دار الدُّنيا عمَّا لا يحلُّ {فنعم عقبى الدار} فنعم العقبى عقبى داركم التي عملتم فيها ما أعقبكم الذي أنتم فيه.
{والذين ينقضون...} الآية. مُفسَّرة في سورة البقرة.
{الله يبسط الرزق} يُوسِّعه {لمن يشاء ويقدر} ويضيِّق {وفرحوا} يعني: مشركي مكة بما نالوا من الدُّنيا، وبطروا {وما الحياة الدنيا في الآخرة} في حياة الآخرة أَيْ: بالقياس إليها {إلاَّ متاع} قليلٌ ذاهبٌ يُتمتَّع به ثمَّ يفنى.

.تفسير الآيات (27- 30):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
{ويقول الذين كفروا لولا} هلاَّ {أنزل عليه آيةٌ من ربه} نزلت في مشركي مكَّة حين طالبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات {قل إنَّ الله يضلُّ مَنْ يشاء} عن دينه، كما أضلَّكم بعدما أنزل من الآيات، وحرمكم الاستدلال بها {ويهدي إليه} يرشد إلى دينه {مَنْ أناب} رجع إلى الحقِّ.
{الذين آمنوا} بدلٌ من قوله: {مَنْ أناب} {وتطمئن قلوبهم بذكر الله} إذا سمعوا ذكر الله سبحانه وتعالى أحبُّوه واستأنسوا به {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} يريد: قلوب المؤمنين.
{الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم} وهي شجرةٌ غرسها الله سبحانه بيده. وقيل: فرحٌ لهم وقُرَّة أعينٍ.
{كذلك} كما أرسلنا الأنبياء قبلك {أرسلناك في أمة} في قرنٍ {قد خلت} قد مضت {من قبلها أمم} قرونٌ {لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} يعني: القرآن {وهم يكفرون بالرحمن} وذلك أنَّهم قالوا: ما نعرف الرَّحمن إلاَّ صاحب اليمامة {قل هو ربي} أَي: الرَّحمن الذي أنكرتم معرفته هو إلهي وسيِّدي {لا إله إلاَّ هو}.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
{ولو أنَّ قرآناً...} الآية. نزلت حين قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنْ كنت نبيَّاً كما تقول فسيِّر عنا جبال مكة، فإنَّها ضيِّقةٌ واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً حتى نزرع ونغرس، وابعث لنا آباءنا من الموتى يكلِّمونا أنَّك نبيٌّ، فقال الله سبحانه: {ولو أنَّ قرآناً سيرت به الجبال} يريد: لو قضيت على أن لا يقرأ القرآن على الجبال إلاَّ سارت، ولا على الأرض إلاَّ تخرَّقت بالعيون والأنهار، وعلى الموتى أن لا يُكلَّموا؛ ما آمنوا لما سبق عليهم في علمي، وهذا جواب {لو} وهو محذوف. {بل} دع ذلك الذي قالوا من تسيير الجبال وغيره فالأمر لله جميعاً، لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذا لم يشأ لم ينفع ما اقترحوا من الآيات، وكان المسلمون قد أرادوا أن يُظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم آيةً ليجتمعوا على الإِيمان، فقال الله: {أفلم ييئس الذين آمنوا} يعلم الذين آمنوا {أن لو يشاء الله} لهداهم من غير ظهور الآيات {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا} من كفرهم وأعمالهم الخبيثة {قارعة} داهيةٌ تقرعهم من القتل والأسر، والحرب، والجدب {أو تحلُّ} يا محمد أنت {قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله} يعني: القيامة. وقيل: فتح مكَّة.
{ولقد استهزئ برسل من قبلك} أُوذي وكُذِّب {فأمليت للذين كفروا} أطلتُ لهم المدَّة بتأخير العقوبة ليتمادوا في المعصية {ثمَّ أخذتهم} بالعقوبة {فكيف كان عقاب} كيف رأيت ما صنعتُ بمن استهزأ برسلي، كذلك أصنع بمشركي قومك.